الاثنين، 27 أكتوبر 2014

دورة:كيف تتخلص من عاداتك السيئة في ثلاثة أسابيع؟ الحلقة 1

من طرف Majed SAAD  
التسميات:
9:23 ص

الحلقة الأولى 

الكثيرون منا يعانون من عادات سيئة تسيطر على حياتهم، ويشعرون بأنهم منهزمون أمامها. البعض يدعون أنهم عاجزون عن الإقلاع ويصفون أنفسهم بالمدمنين المغلوب على أمرهم، والبعض الآخر تمنعهم عزة نفوسهم من الإقرار بالهزيمة، وقد يدفعهم ذلك لتحدي نزواتهم والسيطرة عليها.
أيا كان الأمر فإن لبعض الكتّاب رؤيتهم الخاصة تجاه هذه القضية.


إذ يعتبر (ويليام لي ويلبانكس)
أن الإرادة وحدها قادرة على تخليصنا من أعتى العادات السيئة وأكثرها تغلغلا في أعماقنا، وسنعرض هنا لمقتطفات من مقالته الطريفة والمعنونة بـ "وقاحات جديدة"، والتي سبق نشرها في العدد (89) من مجلة (ريدرز دايجست) الشهيرة والصادر في شهر مارس من عام 1989:
يبدأ المقال بمحاكمة شهيرة جرت في الولايات المتحدة آنذاك للنظر في قضية رجل اعتدى جنسيا على فتاة في الرابعة عشرة من عمرها، ويقول الكاتب أن كل ما فعله القاضي هو إخضاع المتهم لدورة تأهيلية تقوم على تصحيح إفراز الهرمون الذكري "تستستيرون" لدى الرجل، وقام القاضي بتبرير فعلته تلك بقوله" إن بعض الرجال يعانون من فرط في إفراز هذا الهرمون، مما يؤدي إلى زعزعة قدرتهم على مقاومة المغريات"، ويعلق الكاتب:"ولكن معظم الذين يعانون من هذه المشكلة لا يقومون بالاعتداء على الآخرين، وإن ما قام به القاضي ليس إلا واحدا من تلك الأوهام التي تكثر في هذه الأيام، ثم يسميها بالوقاحة الجديدة، والتي نرددها باستمرار لنصيب بها صميم إنسانيتنا عبر تلفظنا بعبارات من قبيل: "لا يمكنني أن أتمالك نفسي".
ويمضي الكاتب إلى القول بأن هذه الفلسفة الوقحة الجديدة تنظر إلى الإنسان على أنه يتأثر بالتغيرات التي تطرأ على جسده وعلى مجتمعه أكثر من أن يكون ذا إرادة حرة قادر على التفاعل بدلا من الانفعال. كما أنها تقدم تبريرا خطيرا للمجرمين والجناة وكأنهم قاصرون أو مرضى لا يملكون الإرادة، وتتجاهل الحقيقة المنطقية القائمة على أن الناس معرضون دائما للمغريات وأن عليهم مجابهتها، بل تضع الإنسان في مصاف الحيوان المغلوب على أمره.

ولتوضيح هذه الفلسفة يستشهد الكاتب بوصفنا للمدخنين بأنهم مدمنون، مما يوحي بأنهم عاجزون عن الإقلاع عن التدخين، مع أننا نرى الكثير منهم قد تمكنوا من ترك هذه العادة دون علاج طبي أو نفسي، مما يعني أن الإرادة تكفي لذلك.
بل يعتبر أن وصف هذه العادة بالإدمان قد يوحي للمدخن بالعجز عن الإقلاع، فيمضي في التدخين بقية حياته واهما بأنه لا علاج لحالته، وهذا خطأ فادح، وجريمة بحق الكثير من الجهلة وضعاف النفوس.

ثم يذكر مثالا آخر حول الغضب، إذ يقتبس من كتاب "الغضب: عاطفة يساء فهمها" للأخصائية (كارول تافريس) قولها بأننا نحن من يقرر أن يغضب عندما نعتقد بأننا تلقينا معاملة غير عادلة، فالعدوانية ليست طبعا بيولوجيا قسريا في داخلنا، بل هي طريقة مكتسبة نلجأ إليها للتعامل مع من يدفعنا للغضب، مع أنه بمقدورنا أن نختار طرقا أخرى مكتسبة أيضا ككظم الغيظ والترويح عن النفس بالبوح بما يغيظنا أو حتى الصراخ، والدليل على قدرتنا على التحكم بأعصابنا عند الغضب هو أننا نادرا ما نثور على مدرائنا في العمل، في الوقت الذي نفقد فيه السيطرة عند التعامل مع أصدقائنا أو أفراد عائلاتنا.

وهذا صحيح إلى حد بعيد 

فلو صح افتراضنا بأن الغضب والثوران أمر طبيعي لما أمر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام من جاء يطلب منه الوصية قائلا "لا تغضب"، ومكررا وصيته ثلاث مرات.

ولنا في صحابته الكرام أسوة حسنة، ففي سيرة الفاروق عمر مواقف كثيرة تشير إلى أنه كان شديدا قوي البأس، ولكنه مع ذلك كان وقافا عند حدود الله، فعندما أساء إليه أحد العامة وهو أمير المؤمنين همّ به ليوقفه عند حده، ويعلمه أدب المعاملة مع الخليفة القائم بحماية الشرع، لولا أن بادر أحد جلسائه بتذكيره بقوله تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:134)، فأقلع على الفور وعفا عنه. 

وفي قصة مشابهة، نذكر الموقف الرائع لأمير المؤمنين هارون الرشيد مع هذه الآية الكريمة، وذلك عندما أخطأ أحد غلمانه فآذاه، فلما نظر الخليفة إلى الغلام غاضبا سبقه الفتى بقوله: "والكاظمين الغيظ" فهدأ الخليفة وقال: قد كظمت غيظي، فتابع: "والعافين عن الناس" فقال: قد عفوت عنك، فأكمل الغلام: "والله يحب المحسنين" فقال: أنت حر لوجه الله.

وبالعودة إلى كاتبنا الأمريكي نجده يتحدث عن تجربة شخصية مر بها عندما كان طالبا في المدرسة الثانوية، إذ كان وقتئذ مقتنعا بأنه ذو طباع غير سوية، إلى أن طلب منه مدرب كرة السلة في المدرسة أن يواجه أحد زملائه في التدريب، فكان كلما فوّت فرصة في التسديد قام بضرب الأرض بقدمه متذمرا، مما جعل المدرب يتوجه إليه محذرا بأنه سيحرم من اللعب إن عاد إلى هذا التصرف مرة أخرى. وبما أن المدرب كان حازما في ذلك فإن صاحبنا لم يجرؤ على القول "ولكني لا أستطيع أن أتمالك نفسي يا أستاذ" بل أقلع عن هذه العادة على الفور لعلمه المسبق بأن عقابا صارما سيواجهه في حال المخالفة.

يقدم لنا هذا المثال البسيط دليلا على أن الإرادة قادرة على الإمساك بزمام الأمور، فمن الخطأ اعتقادنا بأن مدمني المخدرات -وليس الكحول هذه المرة- فاقدون للسيطرة، ولنا في قصص الذين تمكنوا من الخلاص منها دون علاج أسوة حسنة. أما الذين يلجؤون لعيادات التأهيل الطبي والنفسي فهم أولئك الخاسرون في معركة المغريات. ولا ينسى الكاتب التذكير بأن العلاج ضروري، شريطة أن يسبقه تذكير هؤلاء -وليس تعليمهم- بأن الإرادة هي سلاحهم الأول، فالإدمان مشكلة أخلاقية بالدرجة الأولى وليست طبية.

أما أكثر الأمور طرافة في ذلك المجتمع البائس الذي يصفه لنا الكاتب

فهو أن المعالجين قد بدؤوا بإطلاق صفة الإدمان على كل العادات السيئة حتى على المراهنين ولاعبي القمار، وأنهم يعتبرون ذلك المقامر الذي يتخطى الحدود في المقامرة شخصا مريضا فاقدا للسيطرة على نفسه، مما يفتح الباب واسعا أمام الانحراف السلوكي، ويجعل من الجناة أشخاصا يستحقون الشفقة بدلا من العقاب! ويختم الرجل قوله بأننا إذا سمعنا من يقول "لقد فقدت السيطرة على نفسي"، فعلينا أن نصارحه بعدم تصديقه، وفي ذلك خدمة كبيرة له لإخراجه من هذا الوهم القاتل.

ونزيد على ما ذكره الكاتب صيحة جديدة تناقلتها بعض وسائل الإعلام الغربية مؤخرا عن تصنيف أطباء النفس الأوربيون لظاهرة التسوق المبالغ فيها ضمن الأمراض النفسية القابلة للعلاج، ويعود ذلك إلى عامل بيولوجي يتلخص في انخفاض مادة سيروتونين الكيميائية المتواجدة في المخ، مما يسبب أعراضا مثل إدمان لعب القمار أو اللهو بإشعال النار والتسبب في الحرائق. وكانت الدراسة التي قام بها فريق من العلماء في جامعة ستانفورد الأمريكية قد بينت أن المتطوعين الأربعة وعشرين من المدمنين على الشراء قد تجاوزت ديونهم 60 ألف دولار، وادعى هؤلاء أنهم يعانون من الصداع في الرأس في حال عدم تلبية رغباتهم في الشراء حتى عند علمهم لعدم رغبتهم في ذلك، إذ يعترفون بأنهم يشترون الكثير من الأشياء لمجرد الشراء فقط، ثم لا يكترثون بتكديس مشترياتهم دون الانتفاع بها. ومن جهة أخرى نشرت مجلة "أميركان سيانتيست" مؤخرا بحثا علميا مماثلا، أثبت فيه الباحثون أن مشاهدة التلفاز المبالغ فيها ليست إلا حالة من حالات الإدمان التي يعاني منها الكثيرون في العصر الحديث، إذ كشفت الدراسات المخبرية عن أثر الانبعاث المتواصل الذي يطلقه الدماغ لموجات "ألفا" في إثارة مشاعر الارتياح النفسي لدى مشاهدة التلفاز، في الوقت الذي صرح فيه معظم المتطوعين البالغ عددهم سبعة آلاف بأن المشاهدة تسبب لهم الراحة والارتخاء أكثر من النزهات أو تناول الطعام.

أما التدخين، وهو أحد أهم العادات السيئة شيوعا، فقد كشف فريق علمي في جامعة أكسفورد مؤخرا عن وجود جين وراثي يعتقد أنه مسؤول عن الإدمان على النيكوتين، وأنه قد أصبح من الممكن الكشف عن هذا الجين عبر اختبار الحمض النووي DNA للصغار أيضا، وتحديد احتمال إدمانهم على التدخين في المستقبل. ويفيد الكشف عن وجود هذا الجين في تحديد الوسيلة الفضلى لمساعدة المدخنين عل الإقلاع عن هذه العادة، إذ تجب معالجة الأشخاص الحاملين للجين عبر تعاطي جرعات مدروسة من النيكوتين في الدم، وتجنيب رئاهم خطر الدخان القاتل، ريثما يتمكنون من التخلي عن التدخين بشكل نهائي، وقد تبين أن أربعين بالمئة من حاملي هذا الجين قد تمكنوا من الإقلاع باستخدام هذه الطريقة مقابل عشرين بالمئة من الذين لا يحملون هذا الجين. وهذه الطريقة هي ذاتها التي تستخدم في علاج المدمنين على المخدرات، عبر التدرج في ترك هذه العادة.

وتذكر الدراسة أن الأشخاص الذين لا يحملون الجين المذكور، سيكون بإمكانهم الإقلاع عن التدخين دون استعمال الوسائل التي تستخدم النيكوتين، ويمكن للشخص المدخن اختبار وجود هذا الجين بالسهولة نفسها التي يجري بها تحليل السكر في الدم.
وبالرغم من ذلك، فليس من الضروري أن يبحث المدخن عن إمكانية إجراء هذا الاختبار، أو يلقي اللوم على الجين المسؤول عن التدخين سواء بإجراء الاختبار أم لا، إذ أن معظم المدخنين لا يحملون هذا الجين، وفي المقابل فإن الكثيرين أيضا يحملونه دون أن يقدموا على التدخين لعدم علمهم بذلك. وينبغي على المدخن أن يبادر باستخدام الوسائل الأخرى لترك هذه العادة، مع ضرورة اقتناعه بأن الإرادة هي الخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف.


في دراسة أخرى 
قام بها فريق طبي من جامعة أيوا، ربط الباحثون بين الإدمان على الشراء وبين الوسواس القهري الذي يعود فيزيولوجياً إلى خلل ما في الجزء الأمامي من المخ.
وكان رئيس الفريق الدكتور ستيفن أندرسون قد قام بدراسة عدد من الأشخاص الذين أصيبوا بهذا الوسواس بعد تعرضهم لإصابة بالدماغ، وقاموا بملء منازلهم بأشياء قديمة تافهة مع عجزهم عن القدرة على التخلي عنها. ويقول د. أندرسون: "لقد وجدنا أن حوادث الإصابة في جزء من الفصين الجبهيين للقشرة المخية، لا سيما في الفص الأيمن، كان قاسما مشتركا بين الأفراد الذين ظهر لديهم هذا السلوك غير الطبيعي"، وأضاف: "إن المرضى الذين يعانون من الوسواس القهري وأعراض أخرى مثل الشيزوفرينيا ومرض توريت وبعض أنواع العته، يمكن أن يصاحب أمراضهم سلوك الولع بالاقتناء والشراء، ولكننا ما نزال عاجزين عن تحديد الأجزاء المسؤولة عن هذا السلوك من الدماغ بدقة".
وتعليقا على هذه الدراسة، أشارت د. نومي فينبرغ الخبيرة بالوسواس القهري في مستشفى الملكة إليزابيث: "إن هذه الدراسة قد أثبتت أن الولع بالاقتناء المرضي قد يكون مختلفا عن الأعراض الأخرى المعروفة للوسواس القهري، إذ لا يستجيب هذا المرض للعلاجات المعروفة للوسواس القهري، وسيساعدنا تحديد المناطق المسؤولة في المخ عن هذا المرض في تقديم العلاج المناسب".

ولعل المهم في هذا السياق ألا يذهب بنا الاعتقاد إلى أن الإصابة بهذا "المرض" تعني عجز المصاب عن التحكم بالنفس، فكل ما في الأمر هو أن مجاهدة النفس لمنعها عن الإقدام على الشراء تكون أصعب أمام إغراء الإعلانات والسلع المعروضة على واجهات المحلات، وأن منع النفس عن المشاهدة الطويلة للتلفاز تسبب للبعض نوعا من الضيق والقلق، وهذا الأمر قد يتحول مع مرور الزمن إلى وسواس قهري يدفع الشخص للقيام بأعمال لا يرغب فيها أو غير مقتنع بها على الأقل، ولعل وسواس النظافة هو من أكثر أنواع هذا المرض شيوعا لدى الناس، وهو مرتبط أحيانا بعوامل بيولوجية تتعلق بتركيبة دماغ الإنسان، وبالعادة الناشئة عن الممارسة، ولكن العلاج في معظم الحالات -حتى الأكثر استعصاء منها- يكون بالإيحاء النفسي السيكولوجي دون تدخل الأدوية والعقاقير، ويمكن لكل من يعاني من هذا المرض أن يعالج نفسه دون اللجوء إلى طبيب، كما سنبين في إحدى حلقات هذا البرنامج. وعلى أي حال، فإنا لا نجد أي مبرر لإثارة النقاش على النحو الذي يجري في الغرب، والذي قد يعطي لمن يعاني من هذه الحالات "الإدمانية" مبررا نفسيا للمضي قدما في عادته السيئة، مما يؤدي إلى استفحال حالته واقتناعه بعدم جدوى محاولة الإقلاع عنها، ويجعلها في المستقبل صعبة الحل.
ولا يفوتنا أن نذكر هنا بأن المقال الذي بدأنا به مترجما قد كتب قبل حوالي خمس عشرة سنة، ولا بد أن ما نراه من انحلال أخلاقي في الغرب قد تضاعف عن ذلك اليوم أضعافا كثيرة، وقد أسدى التطور التكنولوجي وانفتاح وسائل الاتصال والإعلام إلى المنحرفين عن جادة الصواب خدمة كبيرة، فاتخذ أخي القارئ حذرك الشديد، وتذكر أنك تعيش في عصر انقلبت فيه كل الموازين. 


يتبع فقط إن أحببتم أن أكْمِل

لننتقل للتطبيق العملي 

نبذة عن الكاتب


اكتب وصف المشرف هنا ..

0 التعليقات:

back to top